وصية الإمام علي عليه السلام لكميل بن زياد
الحمد لله و صلى الله وسلم على رسول الله وءاله
في كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم رحمه الله بإسناده عن كميل بن زياد رضي الله عنه قال :
أخذ عليُ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام بيدي فأخرجني إلى ناحية الجَبّانِ فلما أصحَرنا جلس ثم تنفس ثم قال :
" يا كميلُ بنَ زيادٍ ، القلوبُ أوعيةٌ فخيرُها أوعاها ، إحفظ ما أقول لك :
الناسُ ثلاثةٌ : فعالمٌ ربانيٌ ومتعلِّمٌ على سبيلِ نجاةٍ وهمجٌ رَعاعٌ أتباعُ كلِ ناعقٍ يميلون معَ كلِ ريحٍ ، لم يستضيئوا بنورِ العلمِ ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيقٍ ، العلمُ خيرٌ من المالِ ، العلمُ يحرسُك وأنت تحرسُ المالَ ، العلمُ يزكو على العملِ (1) والمالُ تَنقُصُهُ النفقة
ومحبةُ العالمِ دينٌ يُدانُ بها ، العلمُ يُكسِبُ العالِمَ الطاعةَ في حياتِهِ وجميلَ الأُحدوثَةِ بعد موته ، وصنيعةُ المالِ تزولُ بزواله .
مات خُزَّانُ الأموالِ وهم أحياء ، والعلماءُ باقون ما بقي الدهرُ ، أعيانُهم مفقودةٌ وأمثالُهم في القلوب موجودةٌ ،
هاه ، إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علماً لو أصبتُ له حمَلةً، بلى أصبتُهُ لَقِناً غيرَ مأمونٍ عليه يستعملُ آلةَ الدينِ للدنيا يستظهرُ بحُجَجِ الله على كتابِه وبنعمِهِ على عباده ، أو مُنقاداً لأهلِ الحق لا بصيرةَ له في إحيائِهِ يقتدِحُ الشكُ في قلبه بأولِ عارضٍ من شُبهةٍ ، لا ذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذاتِ سَلِسَ القِيادةِ للشهوات أو مُغرىً بجمعِ الأموالِ والادّخارِ وليسا من دعاة الدين ، أقربُ شَبَهاً بهما الأنعامُ السائمةُ ،
كذلك يموت العلمُ بموت حامليه ، اللهم بلى لا تخلو الأرضُ من قائمٍ لله بحجةٍ لِئلا تَبطُلَ حُجَجُ اللهِ وبَيّناتُهُ ، أولئك هم الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً ، بهم يدفعُ اللهُ عن حُجَجِهِ حتى يُؤَدّوها إلى نُظَرائهم ويزرعوها في قلوبِ أشباهِهم ، هجمَ بهمُ العلمُ على حقيقةِ الأمرِ فاستلانوا ما استوعرَ منه المُترَفون وأنِسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها مُعَلَّقةً بالمنظر الأعلى (2)، أولئك خلفاءُ الله في بلاده ودعاتُه إلى دينه ،
هاه ، هاه شوقاً إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئتَ فقم . إنتهى كلامه الشريف
(1)العلم يزكو على العمل : معناه العلم يزيد بالعمل
(2) معَلَّقةً بالمنظر الأعلى : معناه أنهم يتشبهون بالملائكة . يعني يرتقون من حيث التقوى حتى يصيروا على تقوى كاملة .